responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 24
الَّذِينَ صَبَرُوا. وَالْمُرَادُ: صَبْرُهُمْ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَتَحَمُّلِ أَذَى الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَاقُوهُ فَتَوَكَّلُوا عَلَى ربّهم وَلم يعبأوا بِقَطِيعَةِ قَوْمِهِمْ وَلَا بِحِرْمَانِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ثُمَّ فَارَقُوا أَوْطَانَهُمْ فِرَارًا بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتَنِ.
وَمِنَ اللَّطَائِفِ مُقَابَلَةُ غشيان الْعَذَاب للْكفَّار مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ بغشيان النَّعيم للْمُؤْمِنين مِنْ فَوْقِهِمْ بِالْغُرَفِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ بِالْأَنْهَارِ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لِلِاهْتِمَامِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى التَّوَكُّلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي سُورَةِ آل عمرَان [159] [60]

[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 60]
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [العنكبوت: 57] فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا هَوَّنَ بِهَا أَمْرَ الْمَوْتِ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ وَكَانُوا مِمَّنْ لَا يَعْبَأُ بِالْمَوْتِ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: إِنَّا لَا نَخَافُ الْمَوْتَ وَلَكِنَّا نَخَافُ الْفَقْرَ وَالضَّيْعَةَ. وَاسْتِخْفَافُ الْعَرَبِ بِالْمَوْتِ سَجِيَّةٌ فِيهِمْ كَمَا أَنَّ خَشْيَةَ الْمَعَرَّةِ مِنْ سَجَايَاهُمْ كَمَا بَيَّنَّاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الْإِسْرَاء: 31] فَأَعَقَبَ ذَلِكَ بِأَنْ ذَكَّرَهُمْ بِأَنَّ رِزْقَهُمْ عَلَى اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا يُضَيِّعُهُمْ. وَضَرَبَ لَهُمُ
الْمَثَلَ بِرِزْقِ الدَّوَابِّ، وَلِلْمُنَاسَبَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ
[العنكبوت: 56] مِنْ تَوَقُّعِ الَّذِينَ يُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ أَنْ لَا يَجِدُوا رِزْقًا فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُهَاجِرُونَ إِلَيْهَا، وَهُوَ أَيْضًا مُنَاسِبٌ لِوُقُوعِهِ عَقِبَ ذِكْرِ التَّوَكُّلِ فِي قَوْلِهِ: وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [العنكبوت: 59] ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»
. وَلَعَلَّ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا فِي الْحَدِيثِ مَقْصُودٌ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ الْأَوَّلُونَ ضَمِنَ اللَّهُ لَهُمْ رِزْقَهُمْ لِتُوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِمْ أَمْوَالِهِمْ بِمَكَّةَ لِلْهِجْرَةِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَتَوَكُّلِهِمْ هُوَ حَقُّ التَّوَكُّلِ، أَيْ أَكْمَلُهُ وَأَحْزَمُهُ فَلَا يَضَعُ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُمْ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 21  صفحه : 24
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست